تهشيم المجتمع وتفكك الدولة
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها السَّنوي الخاص بعام 2018، الذي حمل عنوان “تهشيم المجتمع وتفكك الدولة” رصدت فيه أبرز انتهاكات حقوق الإنسان على يد أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا في العام المنصرم.
واستعرَض التَّقرير الذي جاء في 80 صفحة تأريخ وقائع مهمة وقعت في عام 2018، كما سرد أبرز الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها السَّاحة السورية في العام الماضي، وتطرَّق إلى أبرز الاتفاقيات المحلية التي أدت إلى تشريد آلاف السكان من مدنهم وقراهم، كما أوردَ مقارنة بين أبرز أنماط انتهاكات حقوق الإنسان في عامي 2017 و2018، وأشار إلى انعكاس تداعيات النِّزاع على تغيُّر توزع السيطرة في عام 2018، الذي شهدَ تقدُّماً واسعاً لقوات الحلف السوري الروسي الإيراني على حساب فصائل في المعارضة المسلحة.
وأشارَ التقرير إلى أنَّ الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أصدرت في عام 2018 قرابة 137 تقريراً تناولت فيها أنماطاً متعددة لأبرز انتهاكات حقوق الإنسان واستندت هذه التقارير على ما يقارب 310 شهادات لـمُصابين أو ناجين من الهجمات، أو مسعفين، أو عمال إشارة مركزية أو ذوي ضحايا، وجميع هذه الشهادات قد تمَّ الحصول عليها عبر حديث مباشر مع الشهود، وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“لقد كان ومازال استخدام النظام السوري منذ عام 2011 لمختلف أنواع العنف الوحشي ضدَّ المجتمع بما في ذلك اعتقال وتعذيب عشرات الآلاف وقتل مئات آلاف أخرى، وتشريد نصف الشعب السوري، هدفاً مقصوداً ومدروساً من قبل هذه السلطة الحاكمة من أجل تهشيم المجتمع وتأديبه وإخضاعه لحكم العائلة إلى الأبد، وبالتالي إنهاء تام لأية فرصة أو مجرد فكرة حراك شعبي جديد نظراً للكلفة العالية التي دفعها المجتمع المطالب بالحرية والكرامة والانتقال السياسي التعددي، ولم يكترث حكم العائلة بأي تكلفة مادية أو بشرية في سبيل تحقيق هذا الهدف المتوحش حتى لو تسبَّب ذلك بتفكيك الدولة السورية كلها”.
بحسب قاعدة بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان وردَ في التَّقرير أنَّ عام 2018 شهِدَ مقتل 6964 مدنياً، بينهم 1436 طفلاً، و923 سيدة (أنثى بالغة) على يد أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا، منهم 4162 مدنياً، بينهم 713 طفلاً، و562 سيدة قتلوا على يد قوات النظام السوري، فيما قتلت القوات الروسية 467 مدنياً، بينهم 169 طفلاً، و51 سيدة، وقتلت قوات التحالف الدولي 417 مدنياً، بينهم 175 طفلاً، و90 سيدة.
سجَّل التَّقرير قتلَ قوات الإدارة الذاتية الكردية 285 مدنياً، بينهم 29 طفلاً، و26 سيدة، فيما قتلت التنظيمات الإسلامية المتشدِّدة 478 مدنياً، قتل منهم تنظيم داعش 446 مدنياً، بينهم 82 طفلاً، و41 سيدة، في حين قتلت هيئة تحرير الشام 32 مدنياً، بينهم 7 طفلاً، و1 سيدة.
وأشار التَّقرير إلى أنَّ إحصائية الضحايا المدنيين على يد فصائل في المعارضة المسلحة بلغت 48 مدنياً، في عام 2018، بينهم 14 طفلاً، و7 سيدة، قتلوا عبر عمليات الإعدام أو القصف العشوائي أو التَّعذيب. وسجَّل التَّقرير مقتل 1107 مدنياً في هجمات لم يتم تحديد مرتكبيها أو في هجمات شنَّتها قوات حرس الحدود التَّابعة لدول الجوار، لبنان والأردن، وتركيا.
بحسب التَّقرير فقد بلغت حصيلة حالات الاعتقال التَّعسفي في عام 2018 قرابة 7706 حالة بينها 504 طفلاً و699 سيدة (أنثى بالغة)، كان النِّظام السوري مسؤولاً عن اعتقال قرابة 5607 شخصاً، بينهم 355 طفلاً، و596 سيدة، أما التنظيمات الإسلامية المتشددة فقد اعتقلت ما لا يقل عن 755 شخصاً، منهم 338 على يد تنظيم داعش بينهم 28 طفلاً، و13 سيدة. و417 شخصاً على يد هيئة تحرير الشام بينهم 15 طفلاً، و3 سيدة. أما حصيلة حالات الاعتقال في سجون بعض فصائل المعارضة المسلحة فقد بلغت قرابة 379 شخصاً، بينهم 23 طفلاً، و13 سيدة، فيما اعتقلت قوات الإدارة الذاتية الكردية 965 شخصاً، بينهم 83 طفلاً، و74 سيدة.
وجاء في التَّقرير أنَّ ما لا يقل عن 976 شخصاً قضوا بسبب التَّعذيب في عام 2018، بينهم 951 شخصاً في سجون قوات النِّظام السوري، و10 على يد قوات الإدارة الذاتية الكردية، و9 في مراكز احتجاز تتبع فصائل في المعارضة المسلحة في حين قتلت سيدة واحدة بسبب التعذيب على يد تنظيم داعش.
واستعرضَ التَّقرير أبرز الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف النِّزاع بحق الكوادر الطبيَّة من عمليات قتل واستهداف للمنشآت الطبية العاملة لها في عام 2018، حيث سجَّل مقتل 53 من الكوادر الطبية، و108 حوادث اعتداء على منشآت ونقاط طبية. كانت قوات الحلف السوري الروسي المسؤول عن الكمِّ الأكبر من الانتهاكات، حيث قتلت ما لا يقل عن 38 من الكوادر الطبيَّة، ونفَّذت قواته ما لا يقل عن 85 حادثة اعتداء على منشآتٍ ونقاط طبيَّة.
وأوردَ التَّقرير إحصائية استهداف الكوادر الإعلامية في سوريا في عام 2018، حيث سجَّل مقتل ما لا يقل عن 24 من الكوادر الإعلامية، قرابة 63% منهم على يد قوات النظام السوري وحليفته روسيا.
وجاءَ في التَّقرير أنَّ النظام السوري استخدم أسلحة كيميائية في عام 2018 في 6 هجمات في محافظتي إدلب وريف دمشق، فيما بلغت حصيلة الهجمات الموثَّقة باستخدام الذخائر العنقودية 13 هجمة، نفَّذت 7 منها قوات النظام السوري، فيما نفَّذت القوات الروسية 6 هجمات. وبحسب التقرير فقد استخدمت الأسلحة الحارقة في 28 هجوماً على الأرض السورية في العام المنصرم، 11 منها شنَّتها قوات النظام السوري، و14 للقوات الروسية، فيما استخدمت قوات التحالف الدولي الأسلحة الحارقة في 3 هجمات، وأضاف التقرير أنَّ ما لا يقل عن 3601 برميلاً متفجراً ألقاها النظام السوري في عام 2018.
وبحسب التقرير فقد كان عام 2018 عاماً حافلاً بموجات ضخمة لنازحين أُجبروا على ترك منازلهم وأرضهم بفعل عمليات عسكرية شنَّتها أطراف النزاع ولا سيما قوات الحلف السوري الروسي، التي كانت المسؤول الأكبر عن عمليات النزوح وذكر التقرير أنَّ ما يقارب 670 ألف شخص تعرَّض للتَّشريد القسري في عام 2018، بينهم 134 ألف جرى تشريدهم قسرياً نتيجة اتفاقات وهدن تُخالف القانون الدولي الإنساني.
أكَّد التَّقرير أنَّ على مجلس الأمن اتخاذ إجراءات إضافية بعد صدور القرار رقم 2254، الذي نصَّ بشكل واضح على “توقف فوراً أي هجمات موجهة ضد المدنيين والأهداف المدنية في حد ذاتها”. وعلى ضرورة إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية ومحاسبة جميع المتورطين، بمن فيهم النظام الروسي بعد أن ثبت تورطه في ارتكاب جرائم حرب.
وحثَّ التقرير مجلس الأمن على ضمان أمن وسلامة ملايين اللاجئين السوريين وخاصة النساء والأطفال. الذين تشردوا في دول العالم، وكفالة سلامتهم من الاعتقال أو التَّعذيب أو الإخفاء القسري في حال رغبتهم في العودة إلى المناطق التي سيطر عليها النظام السوري.
وأوصى وكالات الأمم المتحدة المختصة ببذل مزيد من الجهود على صعيد المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية في المناطق التي توقَّفت فيها المعارك، وفي مخيمات المشردين داخلياً ومتابعة الدول التي تعهدت بالتَّبرعات اللازمة.
أكَّد التَّقرير على أهمية أن تُقدِّم المفوضة السامية تقريراً إلى مجلس حقوق الإنسان وغيره من هيئات الأمم المتحدة عن الحوادث الواردة في التَّقرير، باعتبارها نُفِّذت من قبل أطراف النِّزاع.
وأوضح التقرير أنَّ على المبعوث الدولي إلى سوريا إدانة مرتكبي الجرائم والمجازر والمتسببين الأساسيين في تدمير اتفاقات خفض التَّصعيد وإعادة تسلسل عملية السلام إلى شكلها الطبيعي بعد محاولات روسيا تشويهها وتقديم اللجنة الدستورية على هيئة الحكم الانتقالي.
حثَّ التَّقرير المجتمع الدولي على التَّحرك على المستوى الوطني والإقليمي لإقامة تحالفات لدعم الشعب السوري، وحمايته من عمليات القتل اليومي ورفع الحصار، وزيادة جرعات الدعم المقدَّمة على الصَّعيد الإغاثي.
ودعا التَّقرير إلى تطبيق مبدأ مسؤولية الحماية (R2P)، خاصة بعد أن تم استنفاذ الخطوات السياسية عبر اتفاقية الجامعة العربية ثم خطة السيد كوفي عنان وما جاء بعدها من بيانات لوقف الأعمال العدائية واتفاقات أستانا، وبالتالي لا بدَّ بعد تلك المدة من اللجوء إلى الفصل السابع وتطبيق مبدأ مسؤولية الحماية، الذي أقرَّته الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يزال مجلس الأمن يُعرقل حماية المدنيين في سوريا.
طالب التقرير النظام السوري بالتوقف عن عمليات القصف العشوائي واستهداف المناطق السكنية والمستشفيات والمدارس والأسواق وإيقاف عمليات التعذيب التي تسبَّبت في موت آلاف المواطنين السوريين داخل مراكز الاحتجاز، والكشف عن مصير قرابة 82 ألف مواطن سوري اعتقلتهم الأجهزة الأمنية وأخفت مصيرهم حتى الآن والامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي والقانون العرفي الإنساني.
وشدَّد التَّقرير على وجوب فتحِ النظام الروسي تحقيقات في الحوادث الواردة فيه، وإطلاع المجتمع السوري على نتائجها، ومحاسبة المتورطين، وتعويض المراكز والمنشآت المتضررة كافة وإعادة بنائها وتجهيزها من جديد، وتعويض أُسر الضحايا والجرحى كافة، الذين قتَلهم النِّظام الروسي الحالي.
وأكَّد التَّقرير على أنَّ على النظام الروسي باعتباره طرف ضامن في محادثات أستانا التَّوقف عن إفشال اتفاقات خفض التَّصعيد، والضغط على النظام السوري لوقف الهجمات العشوائية كافة، والبدء في تحقيق اختراق في قضية المعتقلين عبر الكشف عن مصير 82 ألف مختفٍ لدى النظام السوري.
أوصى التقرير قوات التَّحالف الدولي أن تعترف بشكل صريح بأنّ بعض عمليات القصف خلَّفت قتلى مدنيين أبرياء وطالبها بفتح تحقيقات جديَّة، والإسراع في عمليات تعويض الضحايا والمتضررين، والاعتذار منهم.
كما أكَّد أنَّ على الدُّول الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية الضَّغط عليها لوقف تجاوزاتها كافة في جميع المناطق والبلدات التي تُسيطر عليها، وإيقاف جميع أشكال الدعم بالسِّلاح وغيره.